ليلى السورية والذئب التركي

خَلف مُحمد : وكالة خبر للأنباء 


يبدو أن الأمور بدأت تتضح أكثر فأكثر فيما يتعلق بالسياسة التركية تجاه القضية السورية، فتصريحات  «مولود جاويش أوغلو» التي أدلى بها منذ مدة أسقطت آخر الأقنعة التي يتقنَّع بها الساسة الأتراك ، وكشفت (لمن لازال متشرباً عشق القيادة التركية في قلبه) أن تركيا لم تكن في يوم من الأيام حليفاً صدوقاً للشعب السوري، بل على العكس تماماً، فقد استثمرت تركيا الجرح السوري لتحقيق مصالح  بغيضة.

مرت السياسة التركية في سوريا بمرحلتين تفصلهما حادثة إسقاط المضادات التركية للطائرة الروسية في 24‏/11‏/2015، فقبل هذا التاريخ تبنت تركيا فكرة إسقاط نظام الأسد على أن تكون جماعة «الإخوان المسلمين» هي البديل لحكم الأسد، لتحقق بذلك أحلام تركيا بإلحاق سوريا بالسياسة التركية، وجعل سوريا تابعة بالمطلق لتركيا.

لكن إسقاط الطائرة الروسية والاعتذار الذي أعقبه من قبل أردوغان لبوتين أحدث تحولاً جذريا في الموقف التركي من الثورة السورية، فلم تعد فكرة إسقاط نظام الأسد أولوية تركية، بل سقط هذا الأمر تماماً من الحسابات التركية، وهو الأمر الذي حرصت تركيا على إخفائه عن المعارضة السورية وعن القوى الثورية بكافة أشكالها، فصار الهدف التركي من التدخل في سوريا «إنشاء كونتون بشري» في شمال سوريا بعرض 30كم وطول 480كم، يحتوي المهجرين السوريين من قصف النظام، ومن اللاجئين الذين تعمل تركيا على إعادتهم إلى سوريا.

والذي حدث تماماً هو أن القابضين على قرار الثورة السورية  قد سلموا زمام أمور الثورة ومصير السوريين للضامن التركي، باعتباره أميناً على مصالح الشعب السوري، فما كان من التركي إلا أن سلم قرار الثورة لموسكو إرضاء لبوتين، ونكاية بأمريكا، واستثمارا بتضحيات الشعب السوري.

إن أسوأ ما في السياسة التركية- بعد استدارتها- هو إبرام الصفقات القذرة مع الاحتلال الروسي، والقائمة على فكرة، تقديم تركيا للتنازلات المستمرة لروسيا لكن من حصة الشعب السوري الثائر، فقد جرت العادة في الصفقات أن يتبادل طرفا الصفقة المصالح من داخل حصة كل منهما، لكنها في سوريا كانت مختلفة، فتركيا تأخذ من روسيا بعض المكاسب، وتمنح روسيا مكاسب تقتطعها من الشعب السوري.

فكانت الخطة «التركية الروسية الإيرانية» إعادة الأراضي التي حررها أبطال الثورة إلى نظام الأسد الطائفي الإرهابي عبر تفاهمات «أستانة»، المختصة بتسليم المناطق للنظام، ومنع الفصائل من محاربة ميليشيا الأسد والميليشيات الإيرانية الطائفية والقواعد الروسية.

ولكن لن يضر الثورة من خذلها
إن وعورة طريق الحق لا تعني العدول عنه، وإن نعومة دروب الباطل لا تغري الأحرار باتباعها، فأشواك المكرمات خير من زهور المهانات، وإن خيار الحق راحة للروح والضمير، أما خيار الباطل فهو راحة للهيكل الزائل.

الشعب السوري لم يندم على ثورته لكنه ندم على تأخر اندلاع الثورة، مما أتاح للطغاة أن يتجذّروا في سورية أكثر، فكلما طال أمد الطغيان كلما تمكن المستبد من خفض منسوب العزة والكرامة في المجتمع، فعندما تتأخر الثورات فسوف تقع أعباء تكاليفها على من تبقى من الأحرار، وعلى أية حال فقد مضى أهل الثورة في خياراتهم رغم العوائق والمحن وإصرارهم يزداد يوما بعد يوم على تحقيق أهدافهم.

إن ما وقع على الشعب السوري من طغيان النظام هو مبرر إضافي لمتابعة مشروع الثورة والتغيير، لا للتراجع والنكوص إلى العهد الغابر، فليس قدر الشعب السوري أن يبقى محكوماً للأسد وأسرته، وكلما هلك منهم هالك خلفه وريث قاصر.


إذا كان المضي في طريق الثورة شهادة فإن التراجع عنها انتحار، ولقد قام شعب سورية بالثورة عندما أيقن أن نظام الأسد مستبد وفاسد، والثورة كشفت أنه عدو حاقد واحتلال جاحد، وغير أمين على مصالح البلاد ولا حريص على نهضتها وتطويرها بل إن البلاد والعباد أرخص عنده من أي شيء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معارك مستمرة وانتصارات متتالية

كفرنبل: مدينة الصمود لا تزال تحت وطأة الحقد والإجــرام

هل إسرائيل ستكون في مواجهة مع تركيا على الأراضي السورية ؟