بعد قطيعة عشرة سنوات.... ما الذي كسبته الدول العربية من التطبيع مع نظام الأسد؟

فاطمة سويد : وكالة خبر للأنباء 

بعد 11 عامًا من الحرب في سوريا، التي شنها نظام
الأسد ضد شعبه لا تزال البلاد تعاني من عدم الاستقرار الداخلي، وتدهور مستوى المعيشة، وتراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مع العزلة السياسية التي حاول النظام الخروج منها عبر العديد من البوابات، مثل العراق وروسيا وإيران.
 
 
وأكد الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد بقاءه في السلطة، وتراجعت فرص الإطاحة به عَسْكَرِيًّا، وهو ما أدركته دول عربية عديدة مبكرًا واعتبرته من مصلحتها إعادة تطبيع العلاقات مع نظام دمشق.
 
و حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، الخميس 15 أيلول 2022 ، أنها تمضي في تطبيع علاقاتها مع النظام السوري.
 
وأشارت الحركة في بيانها إلى أن هذا القرار في خدمة الأمة وقضاياها العادلة ، وفي قلبها قضية فلسطين ، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة.
 
يذكر أن العلاقات بين "حماس" ونظام بشار الأسد انهارت في عام 2012 ، بعد اندلاع الثورة السورية التي حظيت بدعم قيادات الحركة الفلسطينية التي تخلت عن مقرها في العاصمة ، دمشق. الأمر الذي أغضب إيران الحليف المتبادل للطرفين.
 
 
مع استئناف العلاقات بعد ذلك بين حماس وإيران. وأشاد مسؤولو الحركة بالجمهورية الإسلامية لمساعدتها في إعادة بناء ترسانتها الصاروخية بعيدة المدى في غزة ، والتي تستخدمها لمحاربة إسرائيل.
 
 
على عكس قطر التي ترفض صراحة التطبيع مع نظام الأسد، أعادت الدول العربية العلاقات معها في السنوات الأخيرة على مستويات متفاوتة، مثل الإمارات ومصر والبحرين والأردن، إضافة إلى إعلان دول أوروبية نيتها إعادة فتح سفاراتها في دمشق.
 
 
معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا تقوم على افتراض غير واقعي بأن النظام سيسيطر على معظم المناطق الحيوية في سوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار.
 
 
هناك من يعتقد أن الحرب في سوريا قد حُسمت عَسْكَرِيًّا لصالح قوات النظام والقوات المتحالفة معها منذ عام 2018، مع خروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا المجاورة، وأن أصبحت فرص إسقاط النظام عسكرياً "معدومة" تماماً.
 
 
بدافع من الحكومات العربية، يدور نقاش عميق بين جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري واستعادة مقعد سوريا المعلق في الجامعة.
 
 
علقت الجامعة عضوية سوريا في 12 أكتوبر 2011، ودعت إلى انسحاب السفراء العرب من دمشق، إلى أن نفذ النظام بالكامل تعهداته بتوفير الحماية للمدنيين.
 
 
في بداية الصراع السوري، قدمت الدول العربية الكثير من الدعم السياسي والمالي والعسكري لفصائل المعارضة السورية منذ أواخر عام 2011، بعد أشهر من تحول الثورة السورية إلى الخيار المسلح لمواجهة القمع من قبل قوات الأمن وحملات القتل والاعتقالات.
 
 
وكان للعمليات العسكرية انعكاسات مباشرة على أمن واستقرار دول الجوار سوريا ولبنان والعراق والأردن وتركيا.
 
 
على أي حال، لم تكن سوريا ونظامها معزولين تمامًا سِيَاسِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا، حتى مع قرار الجامعة تعليق عضوية سوريا، حيث وقفت معظم الدول العربية في شمال إفريقيا والعراق وسلطنة عمان ودول أخرى، بما في ذلك مصر محايدة في الصراع الداخلي، مع استمرار قنوات الاتصال مع النظام.
 
 
أكد التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية (منذ 2015)، وقبل ذلك الدعم الإيراني بعشرات الآلاف من مقاتلي الجماعات المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بقاء بشار الأسد والنظام وإمكانية الإطاحة به عَسْكَرِيًّا.
 
 
 
لكن أكبر تحول في الموقف العربي كان بداية عام 2017، عندما خسرت المعارضة المسلحة معركة حلب (شمال)، وخلال 2018، عندما خسرت معارك ريف دمشق ومحافظة درعا (جنوب)، وسلمت أسلحتها للنظام والموافقة على ترك تلك المناطق إلى الشمال السوري الذي تسيطر عليه الفصائل الجيش الوطني (المعارضة) وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى
 
 
وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق نهاية 2018، على مستوى القائم بالأعمال، فيما فشلت تونس والجزائر في استعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
 
 
وفي أكتوبر 2020، أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.
 
 
لكن الموقف الرسمي السعودي والقطري والكويتي لا يزال متمسكًا بحل سياسي، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، لوقف الحرب.
 
 
واستدعت السعودية سفيرها من دمشق في أغسطس 2011، ثم أعلنت في مارس 2012 إغلاق سفارتها وسحب جميع الدبلوماسيين والموظفين.
 
وتحرك الأردن نحو سوريا التي أعادت فتح معبر حدودي معها لتعزيز اقتصادها، بعد أن شهدت أزمات متتالية بسبب جائحة "كورونا"، وخفضت الولايات المتحدة ودول الخليج مستوى الدعم والمساعدات لعمان.
كما سمح الأردن بمرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى سوريا ثم إلى لبنان.
ومنذ بداية عام 2022، قتل الجيش الأردني 30 مهربًا، بينما أحبط محاولة تهريب 16 مليون حبة كبتاجون.
ولا تتهم عمان صراحة نظام الأسد أو مليشيات بالوقوف وراء عمليات التهريب، التي اتخذت منحى تَصَاعُدِيًّا ملحوظًا، إثر خطوات أردنية نحو إعادة تطبيع العلاقات مع الأخيرة.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن فرص الأردن في تعويم النظام السوري تتراجع، بعد أن شهدت المملكة أضرارًا على حدودها من قبل النظام السوري، الذي لم ولن يتغير سلوكه، خاصة بعد إعلان المملكة عن وجود "حرب مخدرات" "على حدودها.
إضافة إلى عجز الأردنيين عن السيطرة على تهريب المخدرات من سوريا، فقد عجزوا عن منع تواجد إيران والميليشيات الشيعية المنتشرة الآن على نطاق واسع على حدودهم، وفي ظل الحديث عن انسحاب روسي من بعض النقاط في سوريا.
 
وشهدت دول كثيرة في السنوات الأخيرة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، على مستوى عودة السفراء، مثل الإمارات، أو القائم بالأعمال، مثل البحرين والأردن.
 
إن تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري سيعزز شرعيته، الأمر الذي يتعارض مع مواقف العديد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى تعتقد أن هذا النظام فقد شرعيته منذ استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد مدنيون سوريون عام 2013.
 
بوادر التطبيع مع نظام الأسد
من الواضح أن عملية التطبيع مع نظام الأسد ظلت خيارًا قائمًا على أجندات بعض الدول العربية، بانتظار الفرصة المناسبة لتفعيلها.
 
إلا أن مسار قطار التطبيع ظل مرتبطًا بالمواقف والتفاهمات الدولية فيما يتعلق بالشأن السوري، وسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خاصة بعد قانون قيصر، الذي توقع السوريون منه الكثير من حيث إبعاد الدول عن القضية السورية والنظام السوري، ووقف يد إيران عن التدخل السافر في سوريا.
 
بينما يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن تتجه نحو تطبيق استثناءات من قانون قيصر قبل تفعيل القانون نفسه عَمَلِيًّا، فقد منحت الأردن ولبنان استثناءات مهمة، بحجة حل أزمات لبنان المتفاقمة، لا سيما في مجال وبهدف توفير عوائد ومزايا مالية واقتصادية للأردن الذي يبحث عن حلول لتدهور أحواله الاقتصادية والمعيشية نتيجة الأزمات الخانقة التي تعصف به.
 
العلاقة الاستراتيجية بين "حزب الله" والنظام السوري من جهة ، وتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان من جهة أخرى ، عاملان أساسيان في عودة التواصل بين "الدولتين" على المستوى الرسمي.
 
وتواصل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الضغط على النظام السوري عبر العقوبات السياسية والاقتصادية لعزله وإجباره على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ونتائج مؤتمر جنيف لتسوية الصراع السوري سِيَاسِيًّا.
 
 
 
لكن النظام ما زال يماطل في التوصل إلى اتفاق عبر جولات مفاوضات في جنيف برعاية الأمم المتحدة، ويأمل في استعادة شرعيته من خلال فتح قنوات اتصال مع عدد من الدول العربية لترسيخ سلطاته على  جميع الأراضي السورية وتحقيق الاستقرار اللازم لإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب منذ عام 2011.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجموعة مسلحة تابعة للجيش الوطني تهاجم كادر "جامعة الشام" بحلب

النفوذ الإيراني: مخططات جديدة ونوايا خفية على الساحل السوري