جيل الحرب في سوريا: طفولة ضائعة تبحث عن مستقبل
وكالة خبر للأنباء_ شام العلي
على امتداد أكثر من أربعة عشر عاماً، نشأ جيل كامل في سوريا لم يعرف يوماً طعم الاستقرار. جيلٌ فتح عينيه على أصوات القصف وهدير الطائرات، ورأى مدرسته تتحول إلى أنقاض أو مخيماً مؤقتاً، فشبّ وهو يحمل ذاكرة مثقلة بالحرب وظروفها. أولئك الذين وُلدوا في زمن النار والنزوح، لم يعيشوا طفولة طبيعية كما عاشتها الأجيال السابقة، بل وجدوا أنفسهم أسرى بيئة تسلب أحلامهم الصغيرة وتضعهم مبكراً في مواجهة قسوة الحياة.
كان من المفترض أن يقضي الأطفال سنواتهم الأولى بين الكتب واللعب، لكن واقعهم كان مختلفاً؛ صفوف مكتظة في مدارس متصدعة، وكتب ممزقة، وأحياناً غياب تام للتعليم بسبب الفقر أو النزوح. كثير منهم تركوا مقاعد الدراسة ليلتحقوا بسوق العمل، يحملون فوق أكتافهم الصغيرة أعباء الكبار، يعملون في الورش أو الشوارع لتأمين قوت عائلاتهم. هكذا ضاعت الطفولة بين الحاجة الملحة والحرمان، وتحولت الأحلام إلى مجرد محاولات للبقاء.
ومع بلوغ هؤلاء سن الشباب، وجدوا أنفسهم أمام واقع أشد قسوة. البطالة تخنق الآمال، والغلاء يلتهم كل فرصة للاستقرار، والخدمات الأساسية تنهار يوماً بعد يوم. في بلد يُفترض أن يكون شبابه عماده للمستقبل، صار حلم كثير منهم ينحصر في الحصول على جواز سفر أو تأشيرة خروج.
ولا تقف المعاناة عند حدود الفقر وانعدام الفرص، بل تتجاوزها إلى آثار نفسية عميقة. جروح غير مرئية تسكن أرواح هؤلاء الشباب، من القلق والاكتئاب، إلى صدمات فقدان الأحبة أو مشاهد العنف التي رافقت طفولتهم. هذه الندوب قد لا تُشفى بسهولة، وقد تظل تطاردهم لعقود ما لم تتوفر لهم برامج دعم نفسي واجتماعي حقيقية تعيد إليهم بعضاً من التوازن المفقود.
ومع ذلك، وسط كل هذا السواد، ما زالت هناك بارقة أمل. فبين الركام، تظهر مبادرات فردية تكشف عن إصرار هذا الجيل على الحياة. شابات يطلقن مشاريع صغيرة من بيوتهن، شباب يحوّلون شغفهم إلى مصدر دخل عبر الإنترنت، ومجموعات تطوعية تحاول إنقاذ ما تبقى من التعليم عبر دروس مجانية للأطفال. صحيح أن هذه الجهود تبدو محدودة، لكنها تؤكد أن الروح لم تنطفئ بعد، وأن الرغبة في البقاء أقوى من كل الظروف.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن لسوريا أن تنهض إن تُرك جيلها الأهم يواجه مصيره وحيداً؟ إن إعادة بناء الحجر قد تحتاج سنوات طويلة، لكن إعادة بناء الإنسان أكثر إلحاحاً وضرورة. هؤلاء الشباب ليسوا مجرد أرقام في إحصاءات الحرب، بل هم العمود الفقري لأي عملية تعافٍ قادمة. وإذا لم يُمنحوا الفرصة لاستعادة طفولتهم الضائعة وبناء مستقبل أفضل، فإن مستقبل البلاد بأكمله سيظل معلقاً بين ماضٍ مثقل بالدمار وحاضر مثقل باليأس.
تعليقات
إرسال تعليق